"أنا لستُ ذكيّاً للغاية لتعلّم البرمجة"

لا، هذا الافتراض غير صحيح. إن كنتَ تستطيع تصفّح الإنترنت وقراءة هذه المقالة فأنت تمتلك على ما يكفي من الذكاء لتعلّم البرمجة. 

قد تعتقد أنّني أقوم بقول هذا فقط لتشجيعك أو لإعطائك دفعة زائفة من الأمل، ولكن صدّقني أنا لا أفعل ذلك. يتعلّم العديد من الأشخاص البرمجة في أعمار صغيرة جدّاً، هناك العديد من الأطفال الذين يتقنون البرمجة وهناك لغات برمجة صمّمت خصّيصاً للأطفال (أشهرها Scratch).

إذا استطاع الأطفال تعلّم البرمجة فهذا يعني أنّك تستطيع. ربّما ليسَ بسهولة كونك مبرمجاً لامعاً وشهيراً ولكنّك تستطيع تعلّم الأساسيات مبدئيّاً.

ولكن لحظة، هل ينبغي عليك تعلّم البرمجة؟ حسناً، هذا يعتمد على أهدافك. البرمجة ليسَت طريقة لتصبح غنيّاً بينَ ليلة وضحاها كما يسوّق لها الكثير ولا أنصحكَ بتعلّمها إن لم تقرّر ما ستفعله بَعد بحياتك. ولكن مَع الدوافع المناسبة والتدريب، يمكن للبرمجة أن تصبح ممتعة وأن تسهّل لكَ حياتك وتغيّر واقعك الوظيفي.

لذا إن كنتَ تتسائل بينك وبين نفسك "هل يجب عليّ أن أتعلّم البرمجة"، فهذه المقالة ستساعدُك في معرفة إيجابيّات وسلبيّات البرمجة.

إيجابيّات تعلّم البرمجة

الإيجابيّات كثيرة ولا يمكن عرضها في مقالة واحدة، وكلّ شخص يجذبه في البرمجة شيء معيّن. ولكن إليكَ إيجابيّاتي المفضّلة.

يمكنكَ أن تصبح مطوّر برمجيّات محترف

هذا هو السبب الذي يبدأ الكثير من الأشخاص رحلتهم في تعلّم البرمجة من أجله.

استقلتُ من عملي كمحامٍ من خمس سنين مضت لأقوم بتغيير مساري الوظيفي، وبدت البرمجة أنّها الخيار الأمثل لي - وذلك لأنّني أستطيعُ تعلمها من المنزل وعلى قدرة استيعابي. ولم أحتج لشهادة جامعيّة لكي أحصل على عمل، فسوق البرمجة يركّز على الكفاءة والخبرة.

في الكثير من البلدان، يحصل المبرمج على دخل مادي جيّد. سوق البرمجة يزدهر ويكبر بشكل متسارع والرواتب تصبح أفضل يوماً بعد يوم، لذا العمل في تطوير البرمجيّات هو حافز ممتاز.

قد تساعدك البرمجة في عملك الحالي

كم يأخذ من وقتك إنجاز المهام المكرّرة المملّة؟ أليس من الأفضل توفير هذا الوقت للأشياء التي تهمّ فعلاً؟ إذا تعلّمت البرمجة فيمكنكَ أتمتة كلّ هذه المهام الروتينيّة.

وأنا لا أتكلّم فقط عن فرز البيانات على ورقة Excel. يمكنكَ أن تؤتمت المزيد من المهام، مثل إنشاء وتسمية ملفات عديدة تقوم بتحميلها تلقائيّاً. إن أردتَّ إلقاء نظرة على المهام التي تستطيع أتمتتها بواسطة البرمجة، فأنصحُكَ بقراءة كتاب Automate the boring stuff with Python.

إذا لم تكن لديك أيّ مهام روتينيّة يمكن أتمتتها (أشكُّ في ذلك) فمازال بإمكانك الاستفادة من البرمجة، يمكنكَ مساعدة الآخرين في عملك لأتمتة أعمالهم فتصبح ذا قيمة عالية في المؤسّسة التي تعمل بها.

يستطيع المبرمجون برمجة تطبيقاتهم الخاصّة، ممّا يجعل الإمكانيّات لا منتهية.

يمكن للبرمجة أن تساعدك بتوفير دخل إضافي

هل تخطر لكَ فكرة تطبيق ما؟ إذا كنتَ تجيد البرمجة يمكنكَ أن تقوم ببرمجة هذه الفكرة وإخراجها إلى النور. ولربّما لن يصبح التطبيق بشهرة فيسبوك وتيك توك ولكن يمكنكَ إضافة تطبيقك بسهولة إلى متجر Google Play و App Store وربح مبالغ ماليّة.

إذا كنتَ تعتقد أنّ فكرتك غير مميّزة فهذا لا يهم على الإطلاق، برمجة وإنشاء التطبيقات ومن ثمّ الربح منها أمر ممتع وسار. تذكّر، يمكنكَ برمجة ما تريده من التطبيقات الأمر غير محدود بفكرة واحدة فقط!

البرمجة ممتعة

بعض الأشخاص يجدون حلّ الأحجيات والتمارين الرياضيّة ممتعاً، إن كانَ هذا ينطبقُ عليك فالبرمجة ممتازة لك. هناك العديد من المشاكل والتمارين متفاوتة الصعوبة.

مهما كانت أسبابُك فأنتَ تستطيع إيجاد الجانب الممتع في البرمجة. عمليّة التعلم هيَ ممتعة بحدّ ذاتها.

سلبيات تعلّم البرمجة

البرمجة ليسَت للكل. هناكَ مَن ينفر من البرمجة بسبب هذه السلبيات.

تتطلّب البرمجة وقتاً وجهداً كبيرين

أنا أعني هذا الأمر، البرمجة تستنزف الكثير من وقتك. لكي تفهم الأساسيّات عليكَ أن تتعلّم لمدّة أسابيع، ولكي تصبح مبرمجاً يقوم ببرمجة بعض التطبيقات الرائعة تحتاج إلى 300 - 400 ساعة تدريب - وذلك في أفضل الحالات.

لنقل أنّك تستطيع تخصيص 5 ساعات في الأسبوع لتعلّم البرمجة. لذا ولكي تصل إلى 400 ساعة تدريبيّة فأنتَ بحاجة إلى 18 شهراً. وفي هذه الفترة ستصادف الكثير من المشاكل والعوائق التي ستقوم بتأخيرك.

هل أنتَ مستعدّ للتضحية بهذا الكم من الوقت؟

قد تكون البرمجة غير صحيّة

تقنيّاً، البرمجة تنطوي على الجلوس والتحديق بالشاشة لساعات. غالباً ما تكون حياة المبرمجين تفتقر إلى الحركة، ممّا يؤدّي بدوره إلى مشاكل صحيّة عديدة مثل السمنة، السكري، أمراض القلب والأوعية الدموية.

وعندما تعمل على الحاسوب لمدّة طويلة فأنتَ تعرّض نفسك لمشاكل عظميّة - على الأخصّ عمودك الفقري ورسغك.

لذا، إن كنتَ جادّاً حول تعلّم البرمجة فيجب عليكَ أن تتبنّة نظام صحّي في حياتك وأن تعتني بجسمك. خُذ القدر الكافي من الاستراحة ولا تجهد نفسك، غيّر وضعيّة جلوسك بشكل متكرّر خلال عملك، قم ببعض التمارين الرياضيّة واعتنِ بنومك.

لن تتوقّف عن التعلّم

التكنولوجيا ولغات البرمجة في تغيّر دائم ومستمر. في اختصاصي (تطوير واجهات المستخدم) يتطوّر الأمر بسرعة رهيبة ولكن الأمر ذاته ينطبق على جميع مجالات البرمجة سواءً أكنتَ تصمّم واجهات المستخدم أو تصنّع النظم المدمجة.

بالإضافة إلى ذلك هناكَ مجالَ جديد ظهرَ مؤخّراً، وهو الحوسبة السحابيّة وعلم البيانات إذ لم يكن هذين المجالين موجودين من عدّة عقود مضت، والآن هما المجالين الأكثر طلباً في سوق البرمجة. إن أردتَ أن تصبح مبرمجاً عليكَ أن تكونَ جاهزاً لأن تتعلّم دون توقّف. عدا ذلك، فإنّ مهاراتك ستصبح بلا قيمة مع تقدّم الزمن.

المنافسة شرسة

آلاف الناس يدخلون هذا المجال، العديد والعديد من الدورات التدريبيّة المتاحة بالمجّان، معسكرات تدريبيّة وجامعات مخصّصة لتساعد المبرمجين. 

أضف إلى ذلك، أنّ البرمجة عمل يستقطب جميع من حولَ العالم فأنتَ تتنافس مع جميع المبرمجين في مجالك حول العالم.

هذا يعني شيئين

• من الصعب جدّاً الحصول على فرصة عمل أولى، حتى المبرمج الذي يمتلك على خبرة كبيرة يواجه صعوبة في إيجاد عمل أيضاً.

• قد تنخفض الأجور، هناك العديد من المطوّرين الجدد بكميّة لا تتناسب مع حاجة السوق.

بالإضافة لذلك، الذكاء الإصطناعي قد يأخذ بعض مجالات البرمجة الغير معقّدة، مما يجعل سوق العمل أصعب وأصعب. عليكَ أن تفهم وتضع ذلك في عين الاعتبار قبلَ أن تقرّر إن كنتَ ستعمل كمبرمج أم لا.

الخاتمة

تعلّم البرمجة هي رحلة مليئة بالعثرات ولكنّها تحتوي أيضاً على فرص رائعة. عليكَ أن توازن الإيجابيّات والسلبيات وتقوم باختيار مسارك. يمكن تلخيص كلّ المقالة بالتالي: تستطيع تعلّم البرمجة إن وفّرت الوقت والجهد اللازمين لذلك، بالتوفيق!

تعليقات